كارثية بالفعل.....
د.محمد احمد جميعان
تصاعدت حدة المعارضة القوية للمفاوضات المباشرة ، وتنادت فصائل المقاومة الفلسطينية الى ادانة هذه المفاوضات باعتبارها مدمرة وغير مسبوقة في خطورتها ، واتسعت المعارضة في تناسق واضح مع القوى الوطنية والعروبية والاسلاميت بالتنديد بهذه المفاوضات بما يشبه الثورة في وجه هذه المفاوضات .
الملفت للنظر ‘ ان عظم الخطر مدرك من قبل الجميع في المقاومة وقواها الحية ، وقد تجسد ذلك في حديث مشعل في دمشق امام حشد من الاعلاميين حين ناشد لاول مرة الملك عبدالله الثاني والرئيس حسني مبارك ألا يقدما دعمهما لهذه المفاوضات التي يرفضها الفلسطينيون ، داعيا المصريين والاردنيين الى مقاطعة المحادثات المباشرة،معتبرا ان نتائج المفاوضات ستكون كارثية على مصالح وامن الاردن ومصر وانها تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية.
فلماذا اذا هي كارثية على امن ومصالح الاردن ومصر ؟ ولماذا تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية ؟ وهل من يستمع؟
كمتتبع وباحث في الشأن العربي والفلسطيني اجد ان هذا التوصيف كان دقيقا ، وقد عبرت عن ذلك في سلسلة مقالات مضت في الاسابع الماضية ، واجد لزاما علي التاكيد على ذلك ، لان ما يجري التحضير له لما يسمى بالمفاوضات المباشرة هو كارثي مدمر غير مسبوق بالفعل ، لما فيه من عزم واجماع امريكي اسرائيلي عباسي هذه المرة على حل القضية الفلسطينية في قوالب جاهزة تخدم اسرائيل وتنهي القضية ، وتشطب الى الابد حق العودة والقدس ، بل وحلم تحرير فلسطين الى الابد .
لقد رسخ في قناعتي منذ زمن ، ان كل ما يجري من جعجعة المفاوضات المباشرة ما هو الا سيناريو اخراج متفق عليه لاعطاء الانطباع بجدية المفاوضات وصعوبتها قبل ان تبدأ، وحين تبدأ يصبح مبررا صيغ الاتفاق المكتوبة سلفا والمعدة لحفل الاخراج المهيب الذي ترعاه امريكا ويحضره العالم اغلبه والاعلام كله ، بان الجبل ازيح اخيرا والجمل تمخض بصعوبة ، وكلاهما في عملية مستحيلة ، اوجدوا اتفاق سلام اسرائيلي فلسطيني ليعم الرخاء منطقتنا ولينعم العالم بالاستقرار .
النتائج محسومة ، في الولادة المتعسرة المصطنعة من مولود المفاوضات المباشرة، لا يعدوا ان يكون في خدمة (اسرائيل) وكيانها سيما في القضايا التي تهدد جديا بقاءها وهما قضية اللاجئين بالذات لانها هي من يشكل هاجسا مرعبا لاسرائيل ، والقدس والضمانات التي تحمي اسرائيل .
اللاجئون لا تريد ( اسرائيل ) ارجاعهم ولو اجتمع العالم كله وبكى العرب جميعم ولطم الفلسطينيون كيفما يريدون ، اللهم الا من بضعة الاف او يزيد ذرا للرماد في العيون وارضاءا او خوفا من حزب الله بحيث يتم التفاوض لاعادة لاجئي لبنان واستيعابهم في الضفة المحررة دوليا حسب الاتفاق ، واما القدس فلا بأس من تمكين الفلسطينين من مقدساتهم بممر آمن ليؤدوا الصلاة دون تفتيش ودون التاكد من عمر المصلي ، على ان يؤجل بحث قضيتها النهائية لاحقا.
لقد وضع وزير الخارجية الاسرائيلية ليبرمان ملامح ما سوف تؤول اليه المحادثات المباشرة ،عندما تحدث عن رفع الحصار عن غزة ، واعتبارها كيان مستقل، اثر دماء الترك على اسطول الحرية التي حركت العالم كله ولم تؤثر في البعض من اصحاب القضية؛ حين تحدث عن تواجد عسكري دولي في غزة يشكل قوة كفيلة بحماية الاتفاق تكون مهمته الاشراف على الحدود والمنافذ ( المعابر ) الحدودية ، يمنع أي تعد على الحدود الاسرائيلية او خرق لهذ الاتفاق .
ربما ليبرمان تحدث عن ملامح ضمانات بخصوص غزة ، او ربما يدرك انه لايستطيع ان يفرض او يحصل على اكثر من ذلك، باعتبار غزة محررة ومسيطر عليها من قبل المقاومة ، ولكن الحال مختلف في الضفة والضمانات اكثر وطأة وتكبيلا وهي دائمة بديمومة الكيان الغاصب..
الضمانات التي تريدها (اسرائيل) والمتفق عليها باعتقادي في نهاية المفاوضات المباشرة ربما لا تقل عن تشكيل قوة دولية يقترحها (الاسرائيليون )والفلسطينون ( سلطة رام الله) تشكل اكثر من 3% من عدد السكان في الضفة، تكون دائمة ومؤثرة وقادرة ومسيطرة، للقيام بمهامها التي تتمثل في الاشراف على المؤسسات الامنية والعسكرية الفلسطينينية للتاكد من كونها مؤسسات تخدم الاتفاقيات المبرمة ولا تشكل عداءا مستقبليا (لاسرائيل) من حيث تشريع القوانين واختيار القادة والتدريب والعمل اليومي .والاشراف على الحدود والمنافذ الحدودية بما لايخل بالاتفاقيات المبرمة وبما لايشكل خطرا مهما قل على الكيان الاسرائيلي . ومراقبة التشريعات والقوانين الصادرة في عموم الدولة الفلسطينية بحيث لا تتعارض والاتفاقيات المبرمة او تشكل خطرا على( اسرائيل) مهما قل. على ان تعتبر القوة الدولية هذه، قوة احتياط في حالة استعداد دائم لمواجهة أي اختراق في الاتفاقيات المبرمة ولها الحق في معالجته بشكل مباشر في حالة عدم قدرة المؤسسات الامنية والعسكرية الفلسطينية على معالجته . ولن يفوت هؤلاء ان يضعوا بندا ، لقيادة القوة الدولية هذه ، استدعاء قوات اكبر من نفس الدول المشاركة عند الحاجة اولمواجهة أي خلل او اخترق خطير في الاتفاقيات المبرمة.
ان قرار المفاوضات المباشرة هو كارثي بالفعل بكل المقاييس ، فهل المهم اقامة الكيان الفلسطيني بما يسمى دولة قابلة للحياة، بقوات دولية تمنع اللاجئين من العودة وتقضي على المقاومة، وتحمي اسرائيل ، والاهم الكارثي الذي يريد البعض التغاضي عنه ، انه على حساب اللاجئين الذين هم في حالة اقامة مؤقته للعودة الى وطنهم ارض ابائهم واجدادهم في فلسطين ، وبقاء الحال كما هو انما هو قصر نظر لا يدرك تبعاته الذين يسعون الى ملئ جيوبهم من التعويضات وغيرها.
لان التوطين هو قنبلة مؤقتة تطل برأسها الان ، ولا اريد التفصيل هنا ، فهي اشد فتكا من كل القضايا الاخرى ، ولن ينفع ديكور الدولة الفلسطينية الموعودة من وقوع الكارثة، ولن ينفع تجاوز حماس والمقاومة وغزة وكل القوى المعارضة والممانعة والحية والشريفة ، التي تقف الان وتدق ناقوس الخطر من هذه المفاوضات المحسومة سلفا لاقامة دولة فلسطينية بهذه المواصفات...فهل من يستمع ؟
00962795849459//خلوي